مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“لماذا يصمت العالم عما يحدث للمتظاهرين العُزّل في العراق؟”

متظاهرون يرفعون أعلااما عراقية في جنيف
في نهاية الأسبوع، تتحول الساحة المقابلة لقصر الأمم المتحدة في جنيف إلى مكان يلتقي فيه عدد من العراقيين المقيمين في سويسرا للتعبير عن تضامنهم مع المحتجين السلميين في بلادهم واستنكارهم للقمع الدموي الذي يتعرضون له يوميا. (هذه الصورة التقطت يوم 5 أكتوبر 2019) swissinfo.ch

هي ليست التظاهرات الأولى التي تشهدها العديد من المحافظات العراقية للمطالبة بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فُرَص العمل، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها الأوسع منذ بدء موجة الاحتجاجات الجديدة ضد الحكومة، والأكبر على الإطلاق منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.

ومع لجوء قوات الأمن العراقية إلى العُنف المفرط بحق المتظاهرين، ارتفع سقف مطالبهم اليوم ليشمل “رحيل الطبقة السياسية” التي حكمت البلاد طوال السنوات الـ 16 الماضية لفشلها في تثبيت ركائز الدولة، حسب تقديرهم. أما العراقيون المقيمون في سويسرا فليسوا بمنأى عما يجري في بلدهم ويتفاعلون معه بشكل يومي وبطرق شتى كل من موقعه. swissinfo.ch استطلعت آراء البعض منهم. 

ارتفعت حصيلة الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ بداية شهر أكتوبر الماضي إلى أكثر من 320 ضحية وما يزيد عن 13 ألف جريح. مع ذلك، تنفي الحكومة العراقية مسؤوليتها عما يجرى من قتل وإصابات واعتقال وملاحقات بِحَق المُتظاهرين ووسائل الإعلام بشكل يومي.

حول ذلك تقول الكاتبة والإعلامية ذكرى محمد نادر إن تصريحات رئيس الوزراء العراقي مؤخراً، والتي وَصَف فيها المُتظاهرين بالمُخربين، وإعلانه عن ملاحقة السلطات الأمنيه لهم “تنفي عدم معرفته للجهات المسؤوله عن عمليات القتل، كما أن جهله هذا يُدينه مثلما يدينه نَفيه لها من موقع مسؤوليته كونه القائد العام للقوات المسلحه، لأن ذلك يعني عدم جدارته بمنصبه”.

وكما تضيف: “لقد حَذَّرنا مراراً ومنذ البداية من تعدد الجهات الأمنيه وتَسَيُب السلاح خارج نطاق الجهات الرسميه وعَدَم حصرها بيد الدولة، وما سينتج عن ذلك من انفلات. هناك اليوم عدد كبير من الجهات الأمنية التي لا نعرف بِمَنْ ترتبط تحديداً، وهي تمارس عملياتها العدوانيه ضد المواطنين حسب مزاج ومصالح الجهة التي تنتمي اليها. إذا كانت الحكومة تنفي مسؤوليتها عن عمليات القتل وتنفي علمها بجهاتها فمن الذي سيدلنا على هوية القاتل؟ نحن كما اعتدنا منذ فوضى الاحتلال نعرف المقتول ونخشى التصريح باسم القاتل”.

في نفس السياق، يقول ناجي حرج، الحقوقي المُختص في مجال القانون الدولي وحقوق الإنسان والأمين التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالةرابط خارجي، بأن المركز ومن خلال تواصله مع المتظاهرين مباشرة عبر أشخاص يبثون بالأخبار لحظة بلحظة من ساحات التظاهر المختلفة، أستطاع أن يوثق وبوضوح بأن “مَن يُطلق النار على المتظاهرين هم من الأجهزة التابعة للحكومة، التي تشمل أجهزة مكافحة الشغب، وجهاز مكافحة الإرهاب، والشرطة الاتحادية وميليشيات الحشد الشعبي، الذين يرتبطون جميعاً بالقائد العام للقوات المسلحة، أي رئيس الوزراء”. كما نَسَب مسؤولية اختطاف الناشطين إلى ميليشيات ‘الحشد الشعبي’، مع عدَم نفيه مسؤولية من أسماهم بـ “جهات أخرى”.

تعرّض العراق إلى انتقادات شديدة من قبل العديد من ممثلي الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذين اتهموا الحكومة العراقية باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين خلال الاستعراض الدوري الشامل لسجل العراق في مجال حقوق الإنسانرابط خارجي في الجلسة التي عقدت يوم الإثنين 11 نوفمبر 2019 في جنيف.

في مداخلته، اعترف وزير العدل العراقي فاروق أمين عثمان بحدوث “انتهاكات فردية” من أعضاء وكالات مسؤولة عن إنفاذ القانون قائلا إنه يجري التحقيق معهم، مضيفاً ان حكومته “تأسف بشدة لعدد الأشخاص” الذين قتلوا، وبأن الحكومة العراقية “بذلت جهودا حثيثة” للتحقيق بكل الاعتداءات على المتظاهرين.

وفي سعي منها لنقل وجهة نظر الجهات الرسمية العراقية، كررت swissinfo.ch الإتصال بالممثلية الدائمة لجمهورية العراق لدى الأمم المتحدة في جنيف، كما بعثت إليها ببعض الأسئلة حول هذا الشأن، لكنها لم تتلق أي رد إلى حين إعداد هذا التقرير للنشر.

 إما أن ننتصر أو ننتصر

ولكن، كيف يُمكن لهذه الإحتجات الشعبية التي بدأت قبل نحو ستة أسابيع أن تنتهي، سيما مع إصرار المتظاهرين على المضي في مطالبهم؟

برأي السيدة نادر يعتمد ذلك على المتظاهرين. “لقد قرروا أما أن ننتصر أو ننتصر، غير مُبالين بِحَجم التضحيات والمخاطر التي يواجهونها. انهم يفترشون الشوارع ويواجهون قنابل الغاز والرصاص والخَطف والترويع، وأظنهم ماضون بثورتهم حتى النهايه مُستهدفين تغييراً شاملاً في كافة أطراف بُنية الفساد السياسيه والدستورية. أنهم يضعون أساسات لعراقٍ للجميع، وأرجو لهم النصر من كل وجداني”.

“هذا يعتمد على التطورات” يقول السيد حرج. “لكن جميع التأكيدات اليومية تشير إلى إصرارهم على البقاء في الساحات ومواصلة هذه الإحتجاجات حتى تحقيق مطالبهم، ومَهما كَلَّف الثمن”.

أما آية محمد “مفوضة الشباب” في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فترى أن الأمل كبير هذه المرّة “لأن هذه هي التظاهرات الأكبر منذ عام 2003، ولأن المتظاهرين يثبتون للعالم يوما تلو الآخر قدرتهم على الحُكم بشكل أفضل من رجال السياسة”. وكما توضح الناشطة الشابة فإن العراق “بلد ذو ثقافة عريقة ومتنوع القوميات والديانات، وقد انتصرنا في هذه التظاهرات بالفعل. وحتى لو لم ننجح في تحقيق تغيير جذري، لكننا ربحنا شيئاً كبيراً جداً يتفق عليه كل العراقيين، ألا وهو تمزيق الفتنة الطائفية التي زُرِعَت في العراق”.

بدوره، يتمنى رياض مجيد الذي يعمل في شركة لتوريد الأغذية الجاهزة أن تنتهي هذه الأحداث لصالح المتظاهرين “لكني لا أري بأن الحكومة سوف تتنازل وتترك الحُكْم الذي يتصارعون عليه منذ أعوام. الموقف صعب جداً ولا أعرف إلى أين سيصل، وهو قد يستمر لأشهر في تصوري”.

” لقد خـرّبـوا كل شيء”

مع استمرار نزيف الدماء، لا يزال رد فعل الحكومة العراقية مُقتصراً على إصدارها حزمة قرارات إصلاحية في مسعى لتهدئة المُحتَجّين، لكن هل يوجد هناك أمل لاستجابة المسؤولين العراقيين لمطالب المتظاهرين، سيما بعد ارتفاع سقف مطالبهم ليشمل استقالة الحكومة؟

“لقد حَدَّد المتظاهرون مطالبهم المشروعة تماماُ وعلقوها في ما يُسمونها ‘جمهورية ساحة التحرير’، وهي تتضمن إسقاط العملية السياسية ورموزها، فَصْل الدين عن الدوله، تصحيح الدستور، إلغاء نظام الانتخابات الحالي، تجريم الطائفية، واحترام الحَق في التعبير، والعديد من المطالب التي تصب جميعها في صالح العراق وشعبه”، تقول السيدة نادر، مضيفة بأن “على الحكومة ان تَكُف عن إزهاق المزيد من الارواح التي لا تُعَوَّض بين صفوف الشباب وان ترحل”.

هذا الرأي يتفق معه السيد حرج: “للأسف، أثبتت التجربة مع السلطات العراقية في جميع التظاهرات السابقة أن كل ما يقومون به لا يزيد عن كونه عمليات مُماطلة. المشكلة في العراق هي أن الفساد يبدأ من الهرم – أي من الرئاسة – وليس من الأسفل، وبالتالي يقول المتظاهرون إن النظام بِرُمَّته فاسد ويطالبون بتغييره بالكامل وليس أشخاص مُعَينين فقط”.

مجموعة من الرجال والنساء في وقفة احتجاجية أمام قصر الأمم في جنيف
بشكل دوري، ينظم عراقيون مقيمون في سويسرا وقفات احتجاجية أمام قصر الأمم في مدينة جنيف للفت الأنظار إلى تدهور الأوضاع في بلادهم منذ اندلاع المظاهرات الإحتجاجية في مختلف أنحاء البلاد بداية شهر أكتوبر 2019. (هذه الصورة التقطت يوم 2 نوفمبر 2019) swissinfo.ch

بدوره، يقول السيد مجيد: “على الإطلاق! هذه الحكومة ليست موجودة لتعمير العراق، وإلّا لفعلت ذلك منذ فترة طويلة. العراق واحد من أغنى دول العالم، لكن الشعب ضعيف ومريض، والناس لم يبقَ أمامهم من خيار سوى مغادرة البلد او الموت جوعا وقهراً. إنهم [الحكومة] لم يفعلوا أي شيء لصالح الشعب، بوسع الأمم المتحدة والصليب الأحمر وجميع المنظمات الدولية التوجّه إلى هناك للإطلاع على الوضع الذي يعيشه الناس. لقد خرّبوا كل شيء!”

كذلك ترى الآنسة آية محمد بأن على الحكومة بجميع أطرافها أن تستقيل “لأنها لم تقدم شيئاً”. وتقول:” لقد خرج المتظاهرون بشكل سلمي ولا يحملون بأيديهم سوى العلم العراقي وقناني الماء ومشروب الببسي، ولا يُفترض بالحكومة أن تقوم بقمعهم، هذا غير مسموح به في العالم كله”.

الحفاظ على الطابع السلمي

إذن، وفي ظل الوضع القائم، ما هو المطلوب الآن؟ اتفق جميع العراقيين الذين تحدثت معهم swissinfo.ch على ضرورة الحفاظ على سلمية المظاهرات، و”تنظيم المتظاهرين لأنفسهم وعدم استجابتهم لأي استفزاز من قبل الحكومة”، يقول السيد حرج، الذي يشدد في نفس الوقت على ضرورة احترام الحكومة الصارم لِحَق المواطنين في التظاهر السلمي، ويُذكّر بمصادقة العراق على إتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيره من المعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان.

بالإضافة إلى أهمية حِفاظ المُحتجين على سلميتهم “التي ستُظهر مدنيتهم وجههم الحضاري”، ترى السيدة نادر ضرورة إصرارهم على مطالبهم المشروعه حتى تنفيذها. وهي لا ترى بُدّاً من إستجابة الحكومة الفورية لمطالب الشعب و”الكَف عن عمليات القتل وأنتهاك الحقوق الناس، التي أصبحت لا تُطاق ولا يمكن السكوت عنها”.

السلمية والإصرار على تلبية المطالب، أكدته الآنسة محمد أيضاً، التي أضافت عنصراً آخراً يتمثل في أهمية تركيز المتظاهرين على مسألة واحدة، مثل تغيير النظام. “أما الحكومة العراقية فَمُطالبة بالإصلاحات، لأننا وبعد مضي 16 عاماً، لا نزال نفتقر إلى أبسط الحقوق الأساسية، سواء من ناحية التعليم أو الصحة أو غير ذلك”، كما أضافت.

“لقد خرج المتظاهرون بشكل سلمي بدون آلية أو قائد، وقد تكون المشكلة هي عدم توفرهم على قيادة”، يقول السيد مجيد، الذي يرى بأن العراق في موقف صعب جداً اليوم. “لو افترضنا استقالة الحكومة ورضوخها لمطالب المتظاهرين، فَمَنْ سيحكم البلد؟ قد يتسبب ذلك بحدوث أمور كارثية كالتفجيرات وغير ذلك. من غير الصحيح أن تَتْرُك الحكومة البلد في مثل هذا الوضع. الجيش العراقي لا يمتلك السلاح لاستحواذ الميليشيات والأحزاب عليها منذ سنوات. يجب أن لا نترك البلد في حالة ضياع”. وهو يرى ضرورة تدخل الأمم المتحدة لحل مثل هذه الأمور ما دام الشعب ينادي باسقاط النظام.

حتى لو لم ننجح في تحقيق تغيير جذري، لكننا ربحنا شيئاً كبيراً جداً يتفق عليه كل العراقيين، ألا وهو تمزيق الفتنة الطائفية التي زُرِعَت في العراق

آية محمد، ناشطة عراقية

سويسرا: إعلام ضعيف..

يرى العراقيون المقيمون في سويسرا الذين تحدثت معهم swissinfo.ch أن تغطية وسائل الإعلام السويسرية لما يحدث في العراق ضعيفة. “من المفروض أن تكون هناك تغطية أوسع لما يجري؛ فاليوم لم تَعُد مطالب المتظاهرين مُقتصرة على توفير الخدمات أو الوظائف، لكن هناك فكرة كبيرة تتحقق، تتمثل بِرَفضهم القاطع لنظام المُحاصصة الطائفية الذي فرضته الولايات المتحدة في عام 2003، وكذلك للتدخلات الإيرانية لتجهيل الشعب، وتركيزهم على هويتهم العراقية فقط – مع أنهم نشأوا في ظل هذا النظام”، يقول حرج.

“في البداية لم تكن هناك أي تغطية من قبل وسائل الإعلام السويسرية، لكن هذه التغطية ازدادت بعض الشيء بعد تفاقم الوضع في العراق، كما كان للتظاهرات التي قامت في سويسرا دوراً في تحريكهم”، تقول الآنسة محمد، مُشَدِّدة على أهمية الإعلام السويسري “لأن سويسرا مقرٌ للعديد من المنظمات الدولية، وأتوقع لو كان هناك المزيد من التغطية الإعلامية السويسرية حول ما يحدث في العراق فقد يؤثر ذلك على الرأي العام ويدفع إلى التغيير”، حسب رأيها.

.. وموقف حكومي خجول

على الجانب الآخر، تباينت آراء العراقيين بشأن موقف الحكومة السويسرية، حيث يرى السيد حرج أنه موقف خجول جداً لا يتناسب مع ما يمكن أن تقوم به سويسرا، وما لديها من ثقل معنوي في العالم من ناحية حقوق الإنسان ويقول: “إن سويسرا هي راعية حقوق الإنسان بالنسبة للناس جميعاً، وكل ما يتعلق بآليات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي موجود هنا في جنيف، وأنا متفاجئ من من هذا الموقف”.

وبالرغم من عدم لَمس السيد مجيد للكثير من قبل الحكومة السويسرية، لكنه يعتقد بأنها لن تتوانى عن فعل شيء لو كان الأمر بيدها. “أتصور أن ما يصل إلى سويسرا من أخبار بشأن القمع الحاصل في العراق غير كاف. بالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع الصحافة العراقية تغطية ما يحدث، سيما مع تَعَرُض بعض القنوات التلفزيونية إلى تحطيم أجهزتها والإعتدء على العاملين فيها. من المهم أن تصل الأخبار إلى سويسرا، لكن هذا صعب في ظل القمع الحاصل. وهنا يأتي دورنا في توصيل ما يحدث في العراق إليها”.

على الجانب الآخر، أشادت الآنسة محمد بتعاون شرطة مدينة جنيف معها عندما طلبت منهم تصريحاً للتظاهر أمام قصر الأمم في بداية شهر أكتوبر الماضي وقالت: “لقد تساهلوا معي – على الرغم من حملي لتصريح إقامة كلاجئة (فئة ‘ب’) – عندما حدثتهم عن صعوبة الوضع في العراق، حتى أنهم منحوني التصريح بشكل مجاني، علماً بانه كان عليّ أن أدفع مبلغاً يزيد عن 500 فرنك. لقد تعاملوا معي بشكل إنساني جداً، وهو ما أعتبره تسهيلاً من جانب الحكومة”.

أما السيدة نادر فاكتفت في تعليقها بجملة واحدة: “السؤال الأهم هو: لماذا يصمت العالم عن جرائم ترتكبها حكومة تحكمها ايران، ولماذا يَصُم آذانه عن صرخات الجَرحى وبكاء الامهات؟”.

رجل يقوم بإفراغ بضائع من فوق سيارة
مُساعدات عينية تشمل أدوية وبطانيات وأقنعة تقي من الغازات المسيلة للدموع بعث بها عراقيون مقيمون في سويسرا إلى المتظاهرين والمعتصمين لدى وصولها إلى بغداد يوم 4 نوفمبر 2019. swissinfo.ch

التواصل مع المتظاهرين

يتواصل العراقيون المقيمون في سويسرا بشكل يومي مع ما يحدث في بلدهم عبر الإنترنت، “لذا ترتعب منه الحكومة وتقطعه، مُخالفة بذلك أبسط حقوق المواطن” تقول السيدة نادر. أما الآنسة محمد فتؤكد أن “وسائل التواصل الإجتماعي لعبت دوراً كبيراً في ورود الأخبار إلينا، وأثبتت أنها يمكن أن تكون أساس الثورة وسبب استمراراها”. وكما توضح: “هناك اضطهاد كبير يُمارَس ضد المتظاهرين وحَجْب شبكة الإنترنت هو جزء من ذلك. مع ذلك يتجاوز العراقيون هذه المشكلة باللجوء الى أساليب مختلفة مثل استخدام خدمة ‘في بي ان’ (VPN)”. 

بالفعل، تصل الأخبار وأفلام الفيديو إلى الآنسة محمد عبر بعض صديقاتها في العراق اللائي يتواجدن مع المتظاهرين ويَقُمن بتسجيل ما يحدث، في محاولة لإطلاع العالم الخارجي على ما يواجهه المتظاهرون السلميون.

بدوره، يتابع السيد مجيد ما يحدث عبر وسائل التواصل الإجتماعي وعدد من الأصدقاء في أوروبا، ويقول: “أعرف العديد من الأشخاص الذين يتواصلون مع المتظاهرين الذين ينقلون الأخبار من موقع الحدث. والمعلومات التي تردُني من هؤلاء موَثقة تماماً”.

وقفات إحتجاجية ومبادرات

علاوة على وقفاتهم الإحتجاجية المنتظمة تقريباً أمام قصر الأمم بجنيف وعدد من المدن السويسرية الأخرى، أطلق العراقيون في سويسرا وعلى راسهم مجموعة من الناشطين الشباب عدداً من المبادرات، من ضمنها جَمع المال لشراء الأدوية والبطانيات وإيصالها للمتظاهرين. كما تنوي مجموعة منهم تنظيم مسيرة صامتة في شوارع مدينة جنيف، يرتدون خلالها بدلات بيضاء تحمل هاشتاغ save_the_iraqi_people# يوم الجمعة 15 نوفمبر الجاري “لإيصال أصوات المتظاهرين في العراق” كما يقول السيد مجيد، أحد المشاركين في هذه الفعالية.

وضمن نشاطاته الأخرى، قام مركز جنيف الدولي للعدالة منذ بداية أكتوبر بتوجيه أكثر من 3000 رسالة إلى معظم المسؤولين في العالم، بما في ذلك جميع البعثات الدبلوماسية، وأعضاء الاتحاد البرلماني الدولي، ومسؤولين في وزارات خارجية معظم دول العالم، طالب فيها المجتمع الدولي بعمل كل ما في وسعه لضمان حرية التعبير في العراق وحماية المتظاهرين. وطالب المجلس أيضاً في ندوة عقدت يوم 7 نوفمبررابط خارجي في المقرّ الأوروبي للأمم المتحدّة بجنيفرابط خارجي، بإرسال لجنة تحقيق دولية مُستقلة إلى العراق للتحقيق في الانتهاكات المستمرّة “لأننا لا نثق باستقلالية لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة العراقية ولا بقدرتهم على تقديم أي شيء، ولأن المسؤولين فيها هم المسؤولون عن الإنتهاكات أيضاً”، بحسب حرج.

لكن ماذا لو استمرت الاحتجاجات في العراق وما يُرافقها من قمع دموي؟ هل يُتوقع أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل أو بآخر لحل الأزمة؟ يُجيب السيد حرج: “لقد بدأ المجتمع الدولي بالتحرك، ولكنه تحرك خجول. هناك تصريحات صادرة عن الأمين العام للأمم المتحدةرابط خارجي وكذلك عن بعض الدول والاتحاد الأوروبي، لكن معظمها لا يتناسب مع مطالب المتظاهرين. يجب أن يكون واضحاً للعالم بأن المتظاهرين كانوا يطالبون في السابق بتوفير الوظائف والخدمات الأساسية، ولكنهم، ومنذ الأول من أكتوبر وإلى الآن، يطالبون بتغيير كامل نظام المحاصصة الطائفية. انهم يريدون إقامة نظام بديل تماماً؛ نظام مدني قائم على احترام حقوق الإنسان وعلى قواعد القانون الدولي، وهذا الأمر يحتاج إلى مساعدة كبيرة من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”.

مفوضية حقوق الإنسان تدعو للمُساءلة

في معرض إجابتها على سؤال لـswissinfo.ch  حول الجهة المسؤولة عن هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى في التظاهرات العراقية، وصفت رافينا شامداساني المتحدثة الرسمية باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ما يحدث بـ “المعقد جدا”. وكما قالت: “بحسب التقارير الخاصة بنا، وجدنا ان القوات الأمنية كانت مسؤولة عن بعض عمليات القتل، بينما نُفِّذَت عمليات قتل أخرى من قبل ميليشا أو مجموعات مسلحة مجهولة الهوية”. كما شددت على أهمية إجراءات المساءلة والتحقيق في الجرائم المُرتكبة “بِغَضّ النَظَر عن الجهات التي ينتمي إليها مُقترفو الجرائم، حيث بات من الواضح أن القوات الأمنية وجُناة آخرين مسؤولون عن ذلك”.

وحول مشاعر المتظاهرين العراقيين بتخلي الأمم المتحدة عنهم، أشارت شامداساني إلى “المساعي الحثيثة التي تبذلها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق للمساعدة في التوسط وبناء حوار هادف بين الحكومة والمتظاهرين”.

وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد أعربت في مذكرة إحاطة صحفية حول العراقرابط خارجي صدرت يوم 8 نوفمبر، عن “بالغ قلقها لاستمرار التقارير الواردة حول وقوع قتلى وجرحى نتيجة استخدام قوات الأمن للقوة ضد المتظاهرين، فضلاً عن عمليات القتل المتعمدة التي ترتكبها عناصر مسلحة”، وحثت الحكومة العراقية على “ضمان الإلتزام بحماية ممارسة الحق في التجمّع السلمي”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية